مقالات

العمايرة تكتب: من هو هنري كيسنجر القادم؟

نشامى الاخباري _لينا عمر العمايرة

في أعماق السجلات التاريخية المليئة بالأحداث والتحولات ، أشخاص كثيرون عبروا التاريخ متربّصين بأقنعة متنوعة ، مخلّفين بصمات واضحة فيه ، تأثيرها كتأثير الظلال السوداء ، متجاوزة حدود الزمان ، مسطّرة للخيبات والتحديات التي لا يمكن تجاهلها.
في صباح التاسع والعشرين من شهر نوڤمبر للعام الثالث والعشرين ، استيقظ العالم على نبأ وفاة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر أو الثعلب العجوز كما أطلق عليه الغرب.
المسار الوظيفي والمسؤوليات :
كيسنجر هو مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية في إدارة الرئيسين (ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد) ، يعد من أبرز السياسيين الأكاديميين ، والأكثر خبرة في العالم بالشأن الجيوسياسي والاستراتيجي ، إضافة إلى أنه من أشهر الدبلوماسيين الأمريكيين والأكثر تأثيرا داخليًا وخارجيًا قدم العديد من وجهات النظر والنبوءات التي أصاب في معظمها ، وهو من وضع أسس السياسة البراغماتية التي تشجع الدبلوماسية على الأيديولوجية . وهو من نظّر كثيرا للسياسة الواقعية في الولايات المتحدة الأمريكية.
المولد والنشأة :
ولد كيسنجر في ألمانيا عام ۱۹۲۳م، وهو الابن الخجول للعائلة اليهودية التي هربت من قبضات وقيود المعتقلات النازية في ألمانيا عام ١٩٣٨م إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث اكمل دراسته ومن ثم حصل على الجنسية الأمريكية ، وفورًا التحق بصفوف الجيش الأمريكي عام ١٩٤٣م ، وشارك في الحرب العالمية الثانية بسبب طلاقة لسانه باللغة الألمانية ، اكمل دراسته الجامعية في جامعة هارفارد بتخصص العلوم السياسية ، حيث أتم دراسة الدكتوراه هناك وكانت أطروحته حول دبلوماسية مترنيخ ، سعى جاهدًا للانضمام لهيئة التدريس في جامعة هارفرد ونجح في ذلك ، ووصل لمبتغاه في أن يكون أحد أبرز أعلام السياسة الأمريكية.
المسار السياسي والدبلوماسي :

لعب كيسنجر دورًا محوريًا في إدارة الحرب الفيتنامية ونجح في تحقيق التسوية في فيتنام ، بالإضافة إلى المشاركة الفعّالة في تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ، كيسنجر الذي كان أبرز رجالات الحرب الباردة كان له دور بارز في ترتيب العلاقات بين واشنطن والاتحاد السوفييتي وصياغة السياسة الأمريكية اتجاه الاتحاد السوفييتي.

نيران الشرق الأوسط :
أسس الشرق الأوسط نفسه كمحور أساسي في خريطة السياسة العالمية، محتلاً مركزًا مرموقًا يتجسد في صياغة موازين القوى الدولية، وهذا يعود إلى غناه الاقتصادي وموقعه الاستراتيجي الحيوي. وبالنظر إلى تحالف الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل باعتبارها حليف استراتيجي في الشرق الأوسط، تكمن أهمية صنع القرارات في السياسة الخارجية الأمريكية في تحديد مسار المنطقة وتأثيرها على الأحداث الجارية، فتلك العملية تعتبر عنصراً حيوياً يشكل لبنة أساسية في تشكيل مستقبلها وتوجيه مسارها.
في بادئ الأمر لم يكن هنري كيسنجر يعرف الشيء الكثير عن الشرق الأوسط عند استلامه الوظيفة، ولم ينعم بزيارة أي بلد عربي، وما اعتاد أبداً على طريقة المفاوضات في الشرق الأوسط ، وحين سنحت له الظروف بترك منصبه ، أصبح خبيراً في شؤون الشرق الأوسط.
إذ يقول هنري كيسنجر موضحًا : ” وحتى عام ١٩٦٩ ، فإن اتصالاتي الشخصية الوحيدة، مع هذه المنطقة كانت عبارة عن ثلاث زيارات قصيرة خاصة إلى إسرائيل في عام ١٩٦٠.”

أ‌- حرب اكتوبر
قاد هنري كيسنجر مسارًا حافلًا في السياسة الدولية ، تحديدًا في الشرق الأوسط ، و بتوجيه نظرة عميقة إلى المسار الدبلوماسي الذي سلكه في أكتوبر 1973، نجد أنه نهج سياسة الرحلات المكوكية إلى منطقة الشرق الأوسط ، و لم يكن ذلك محاولة لتحقيق السلام بل كانت استراتيجية محنكة لإنقاذ إسرائيل من هزيمة محتملة. بدلًا من الترويج للهدف السلمي، سعى كيسنجر إلى تحقيق توازن عسكري يخدم مصالح إسرائيل، حيث قام بإقناع الرئيس نيكسون بتوفير الدعم اللوجستي لها – الذي تمثل بالجسر الجوي الذي تم إمداده لإسرائيل محملًا بالسلاح- وحتى حال ذلك دون اتخاذ إجراءات دولية للوقف الفوري للقتال، معبّرًا بأن الهزيمة الإسرائيلية لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال حتى وإن أدى ذلك إلى تدخل أميريكي ومنع الحرب من تحقيق الانتصارات.
خلال الماراثون الدبلوماسي المتميز الذي استمر لمدة 34 يومًا في عام 1974، استحوذ هنري كيسنجر على الأضواء بزياراته المكثفة إلى القدس ودمشق، بالإضافة إلى رحلاته إلى ستة دول أخرى. على الرغم من عدم تحقيق اتفاق سلام دائم، إلا أنه نجح في تحقيق استقرار في منطقة تعصف بها الاضطرابات، مع تعزيز دور الولايات المتحدة كوسيط حصري في الشرق الأوسط، مع استبعاد تأثير الاتحاد السوفيتي.
ب – أزمة النفط :
بقيت الولايات المتحدة الامريكية حتى أواخر عقد الستينات من القرن العشرين تتمتع بسيطرة راجحة على النفط العربي الخليجي، ولكن سرعان ما تغير هذا الوضع إثر تفاعلات حرب أكتوبر ۱۹۷۳ وما رافقها من أحداث متتالية أدت الى ظهور أبعاد جديدة للنفط العربي الخليجي، مما سبب ذلك آثاراً تدريجية هددت بتقويض الاقتصاد الامريكي وخلخلته، علاوة على الشلل التام الذي أصاب الاسواق التجارية داخل الولايات المتحدة، وهو ما إنعكس بدوره على إنتشار البطالة وتراجع قيمة الدولار وإرتباك القرار السياسي .وفي ضوء هذه الظروف الصعبة جرت مباحثات بين الدول العربية المنتجة حول ضرورة الاستعانة بالسياسة النفطية لخدمة القضية الفلسطينية، من خلال التلويح به بوصفه وسيلة ضغط على موقف الولايات المتحدة لإجبار إسرائيل على الإلتزام بقرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ القاضي بانسحاب اسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في حزيران ١٩٦٧(٢٣) الدعم المطلق من قبل الولايات المتحدة راح بازدياد بعد أن أصبح هنري كاسينجر مستشارًا للأمن القومي ، إذ كثف جهوده من أجل إحباط أي قرار يعمل على اللنسجاب الكامل لإسرائيل مبيناً أن إسرائيل تشكل درعاً واقياً للمصالح الامريكية في المنطقة ضد النفوذ السوفيتي والحركات الراديكالية العربية.
وللمرة الأولى، أدركت الولايات المتحدة أهمية قرارات الدول العربية في تحديد وتأثير وتيرة نموها الاقتصادي، خاصة في ظل قدرتها على التحكم في أسعار وإمدادات النفط. اضطرت الولايات المتحدة تبني سياسات جديدة تسعى إلى تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي، لضمان استقرار اقتصادها وتقوية موقفها الدولي.
سعت الولايات المتحدة الى تكثيف جهودها المبذولة لإنهاء الحرب العربية الإسرائيلية، الأمر الذي يؤدي حتماً إيجاد حل للأزمة النفطية، لذلك فقد ركزت مساعيها الدبلوماسية على قطبين عربيين مهمين هما العربية السعودية ومصر، و دفعت الولايات المتحدة وزير خارجيتها هنري كيسنجر الى أن يأخذ على عاتقه مهمة الإسراع في فض الإشتباك بين القوات العربية والإسرائيلية على كل من الجبهتين السورية والمصرية . وإفهام الدول العربية المنتجة أن إكمال ذلك مرهون بإعادتهم تدفق نفطهم الحيوي للإقتصاد الأمريكي. ونتيجة للدور الذي من ممكن أن تؤديه العربية السعودية في حل الأزمة بإعتبارها المصدر الأول والرئيسي للدول المستهلكة بحكم مخزونها النفطي الهائل، فقد كان في كل خطوة يقوم بها كيسنجر من أجل فك الاشتباك العربي – الإسرائيلي، يتوقف في المملكة العربية السعودية ليطلع الملك فيصل على ما حققه في هذا المجال، جرت مفاوضات طويلة ومرهقة بين الطرفين تركزت بين طلب كيسنجر لرفع الحظر وطلب الملك فيصل بإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي. وكانت السياسة التي أتبعها كيسنجر تتمثل في دبلوماسية “الخطوة خطوة بعد أن أصبح لديه بعد لقاءه الأخير مع الملك فيصل إنطباع مفاده أن رفع الحظر النفطي لا يمكن أن يتحقق الا في حالة إنسحاب إسرائيل من الأراضي التي إحتلتها. وفي الثامن عشر من كانون الثاني ۱۹۷۴ وبعد جهود مضنية من التوسط في المفاوضات بين مصر وإسرائيل أعلن كيسنجر عن إتفاق فك الاشتباك على الجبهة المصرية ، وهذا دفع المملكة العربية السعودية أن تتبنى موقفاً أكثر ودية تجاه الولايات المتحدة، وأرسل الملك فيصل في الثالث من شباط خطاباً الى الرئيس نيكسون يوضح له جهود السعودية في أنها بدأت اتصالاتها مع دول الأوابك العربية من أجل رفع الحظر النفطي عن الولايات المتحدة، وفي ١٨ آذار ١٩٧٤ أعلنت كل من السعودية والكويت وقطر والامارات والبحرين، فضلاً عن دول عربية أخرى رفع الحظر النفطي عن الولايات المتحدة. وخصوصاً أن العربية السعودية رأت أن الولايات المتحدة قد تقوم بإحتلال منابع النفط إذا ما أستمر الحظر النفطي أكثر من ذلك. وكنتيجة لهذا الموقف تحسنت العلاقات الأمريكية السعودية بعد أن كانت الأخيرة في موقف المواجهة الفعلية مع الولايات المتحدة.

من هو هنري كيسنجر القادم ؟
وبالعودة إلى عنوان المقال ، ومن وجهة نظري الشخصية فظهور شخصية فاعلة ومؤثرة في الساحة الدولية يعتمد على عدة عوامل تتمثل بالخبرة السياسية والدبلوماسية، والقدرة على التفاوض وبناء العلاقات الدولية إضافةً الفهم العميق للقضايا الدولية والقدرة على تحليل التحولات العالمية ، إضافةً إلى القيادة القوية والحنكة السياسية تعززان أيضًا تأثير الشخصية على المستوى الدولي وهذا كله مرتبط بشكل أساسي بالسياق الاجتماعي لهذه الشخصية ، علاوة على الفكر الذي تحمله هذه الشخصية ، ويكمن ظهور مثل هذه الشخصيات في ظل تحديات عالمية متغيرة أو أحداث هامة تتطلب استجابة فعّالة.
من وجهة نظري فأن الكسيندر دوغين والملقب بِ ” عقل بوتين” الباحث السياسي ،والمؤرخ وأستاذ علم الاجتماع في جامعة موسكو سابقًا ، هو الشخصية البارزة والتي ستترك أثرًا واضحًا على الساحة الدولية من خلال سياساتها وتوقعاتها للأحداث. فهو صاحب نظرية عالم متعدد الأقطاب حيث المسلمين و الصينيين و الروس ضمن قطب واحد مقابل الغرب.
وصاحب النظرية السياسية الرابعة والتي تدافع عن “أصالة الحضارة الروسية وعن حقوق الإنسان”، ولكن ليس وفقا للقيم الغربية التي قال إنها ليست شمولية وهي غير مقبولة لا في روسيا ولا في “العالم الإسلامي ولا في الصين”.
هذا كان توقعي عن هنري كيسنجر القادم وأنت من تتوقع ؟

اظهر المزيد
الداعمون:
Banner Example

موقع نشامى الإخباري

نشامى الإخباري" هو موقع إخباري أردني متميز يقدّم لكم أحدث الأخبار المحلية الأردنية والعربية، نسعى جاهدين لتقديم محتوى إعلامي مهني وموثوق يساهم في توعية القرّاء وتوفير تحليلات موضوعية وشاملة للقضايا الراهنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *