نشامى الاخباري _ماجد عبنده
يخلط الكثيرون بين مصطلحين يستخدمان احيانا بطريقة خاطئة ، وهما الفتح والاحتلال .
اما الفتح فهو مصطلح إسلامي لم يعرف سابقا ولم يستخدم بعد إسقاط الخلافة الإسلامية وهو نوع من انواع الحروب ذات الأخلاق الحميدة والمبادئ السامية وهو “جهاد طلب” اي ان المسلمين هم من يهاجم المدن والدول الأخرى والهدف الأساسي منه نشر مبادئ الإسلام بين الناس وإيصال رسالته لكل شعوب الأرض ويعتمد على اسس واضحة .
حيث يذهب الجيش الاسلامي إلى مدينة ما فيرسل رسولا يحمل رسالة تدعو أهل هذه المدينة للاسلام موضحا الأسس والمبادئ التي يقوم عليها فان وافق أهلها تدخل تلك المدينة في ديار الإسلام ويبدأ العمل على بناء المسجد وإقامة الدروس لتعليم السكان دينهم الجديد وتحصيل “الزكاة” .
اما اذا لم يوافقو على الدخول بالاسلام فيعرض عليهم الصلح والذي يتضمن الحفاظ على أنفسهم واموالهم ومعابدهم مقابل توفير الحماية العسكرية لهم وتلقي مبلغا من المال يدعى “الجزية” .
في الحالة الثالثة وهي عدم الدخول في الإسلام او الصلح فيطبق عليهم الخيار الثالث وهو الحرب ويكون على عدة أشكال منها الحصار او القتال المباشر باعتبارهم وقفوا في وجهة الدعوة الإسلامية ولم يسمحو لمواطنيهم بالاستماع لوجهة نظر المسلمين . لكن حتى في هذه الحالة هنالك قواعد يجب الالتزام بها فلا يجوز قتل شيخ او طفل او امرأة او ناسك متعبد في صومعته ولا يجوز قطع شجرة او هدم بيت او تخريب الممتلكات او إفساد الموارد الطبيعية كالماء والتربة وغيرها .
كان قتيبة بن مسلم الباهلي – رحمه الله – يفتح المدن والقرى ينشر دين الله في الأرض , وفتح الله على يديه مدينة سمرقند .
افتتحها بدون أن يدعوَ أهلها للإسلام أو الجزية , ثم يمهلهم ثلاثاً كعادة المسلمين , ثم يبدأ القتال .
فلما علم أهل سمرقند بأن هذا الأمر مخالف للإسلام كتب كهنتها رسالة إلى سلطان المسلمين في ذلك الوقت وهو عمر بن عبد العزيز عليه رحمة الله , أرسلوا بهذه الرسالة أحد أهل سمرقند حتى وصل دمشق وقابل الخليفة فقال له عمر : ما تريد؟ قال: هذه رسالة من كهنة سمرقند فقرأها ثم قلبها فكتب على ظهرها, ( من عبد الله عمر بن عبد العزيز إلى عامله في سمرقند أن انصب قاضياً ينظر فيما ذكروا ) , ثم ختمها وناولها له.
فانطلق حتى وصل إلى سمرقند وقرأ الكهنة الرسالة أظلمت عليهم الأرض وضاقت عليهم بما رحبت ، ذهبوا بها إلى عامل عمر على سمرقند فنصّب لهم القاضي جُمَيْع بن حاضر الباجي لينظر في شكواهم ,ثم اجتمعوا في يوم وسألوه دعواهم . فقال القاضي: لخليفة قتيبة وقد مات قتيبة – رحمه الله – :أنت ما تقول؟
قال: لقد كانت أرضهم خصبة وواسعة فخشي قتيبة إن أذنهم وأمهلهم أن يتحصنوا عليه .
قال القاضي: لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً , ثم قضى القاضي بإخراج المسلمين على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك وفقاً للمبادئ الإسلامية .
ما ظنّّ أهل سمرقند أنّ تلك الكلمات ستفعل فعلها ما غربت شمس ذلك اليوم ورجل من الجيش الإسلامي في أرض سمرقند , خرج الجيش كله ودعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال .
فلما رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في تاريخ البشرية من عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها , قالوا: هذه أمة حُكمُها رحمة ونعمة , فدخل أغلبهم في دين الله وفُرضت الجزية على الباقين .
هذا هو الفرق بين مبادئ الفتح الاسلامي وما تقوم به الدول الاستعمارية حين تحتل البلاد وتسترق العباد وتسيطر على الأرض وتنتهك العرض تنهب الثروات وتحرق الاخضر واليابس . هل اتضح لكم كيف انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها في بضع عقود من السنين وأصبح أهل الأرض الاصليين منافحين ومدافعين عن الإسلام ربما اكثر من الفاتحين الأوائل .