نشامى الاخباري _ ماجد عبنده
في سبعينات وثمانينات القرن الماضي كان أهل اربد يدفنون موتاهم في المقبرة (التربة) القديمة خلف تل اربد ويصلون عليهم في مسجد اربد الكبير حيث يحملون الجنازة على الأكتاف من المسجد باتجاه شارع حكما ثم الى المقبرة وكانوا يرددون عبارة (لا اله الا الله محمد رسول الله) بصوت مرتفع خلال التشييع وكلما مرت الجنارة على مجموعة من الناس يقفون احتراما لها ويدعون لصاحبها . في بداية التسعينات افتتحت مقبرة المدينة الصناعية العامة و مقابر العائلات فأصبح الوصول إليها صعبا بدون سيارات فبدأ الناس باستعمال سيارات نقل الموتى التابعة للبلدية ، ونظرا للازدحام الشديد في منطقة الجامع الكبير انتقلت الصلاة على الجنازات الى مسجد حمزة في الملعب البلدي .
كان أهل اربد يقيمون بيوت العزاء (المدالة) في بيوتهم او في المضافات القليلة لبعض العشائر واذا لم تكن البيوت تتسع فإنهم يبنون بيتا من الشعر او صيوانا لهذه الغاية . كانت فترة العزاء تمتد لمدة طويلة قد تصل لاربعين يوما حتى ولو لم يحضر فيها معزين فان أهل المتوفى يتواجدون يوميا ليصبِّروا ابناءه وزوجته وقد يكتفون بالتواجد ايام الخميس . كان أقارب المتوفى وجيرانه يعلنون الحداد في بيوتهم فلا تقام حفلات الزواج او الخطوبة ولا يفتح المذياع والتلفاز الا لسماع الاخبار او القرآن الكريم ويعتبرون ذلك نوعا من المشاركة الوجدانية في هذا المصاب .
كانت العشائر تصنع الطعام للعشيرة المصابة حيث يدعون كافة رجالها إلى بيوتهم او مضافتهم لتناول الطعام وهو بالطبع المنسف اما طعام النساء فيرسل لبيت عزاء النساء . لم يكن في ذلك الوقت مطاعم او طباخين لتحضير الطعام فقد كانت نساء العشيرة هن من يطبخن الطعام بأيديهن .
في نهاية السبعينات ونظرا لزيادة الأعداد انتهت عادة صنع الطعام بين العشائر واكتفى الناس بتقديم أكياس الرز والسكر (سعة ٥٠ كيلو) بين العشائر وبين ابناء العمومة والذين كان بعضهم يصنع الطعام لأهل المتوفى ويحضره إلى بيت العزاء للرجال والنساء او يدعوهم لبيته .
في نهاية الثمانينات توقفت عادة تبادل أكياس السكر والرز نظرا لتلف أكثرها وقد رصدت بعض الأكياس تنتقل من عزاء لآخر إلى أن تستقر في احدى البقالات حيث يشتريها التاجر بابخس الاثمان .
في تلك الفترة صار المعزون يحملون معهم القهوة (الخضراء) والسجائر وهما العنصران الاساسيان في الضيافة فقد كانت توضع السجائر بكافة انواعها بصينية ويدور بها احد الشباب على الحضور إضافة للقهوة المرة .
خلال فترة التسعينات ونظرا لانتشار عادة التدخين بين الشباب الصغار فقد تم الاتفاق بين العشائر على عدم تقديم السجائر في بيوت العزاء والاكتفاء بتقديم القهوة السادة فانتهت بذلك عادة حمل القهوة والسجائر من قبل المعزين .
في تلك الفترة لم يكن يحدد موعدا لانتهاء تقبل التعازي فقد يستمر اسبوعا او اكثر وكان البيت يفتح من الصباح إلى الليل . لكن مع انشغال الناس وعدم مقدرتهم للبقاء فترة طويلة فقد تم الاتفاق على أن يختصر العزاء إلى ثلاثة ايام بدون يوم الدفن ثم أصبحت الناس تحدد العزاء بثلاثة ايام فقط وبساعات محددة خلال النهار والليل والتي عادة ما تبدأ من بعد العصر لما بعد العشاء .
من العادات المستحدثة في بيوت العزاء تقديم التمور واستبدال اباريق الماء بعبوات الماء البلاستيكية واستبدال فناجين القهوة الزجاجية بفناجين البلاستيك اولا ثم الكرتون الان .
بالرغم من التغيرات التي واكبت أهل اربد في عادات الاتراح الا انهم ما يزالون يتمسكون بالروابط التي تجمعهم ويقفون مع أصحاب العزاء (المناقيص) في محنتهم متضامنين متكاتفين .