مقالات

قطيش يكتب: سوريا والأردن.. حسابات المرحلة والمستقبل

نشامى الاخباري _ نادر قطيش

في ظل المشهد السوري المعقد الذي يتسم بتداخل الأزمات الداخلية مع التدخلات الخارجية، تتزايد المخاوف حول مستقبل البلاد ووحدتها، فالتطورات الأخيرة التي شهدت سقوط نظام بشار وسيطرة فصائل كانت تعرف على أنها متشددة على دمشق، أعادت تشكيل الديناميات الإقليمية بشكل عميق.

وعلى الرغم من وعود القيادة الجديدة في سوريا وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، وسط انفتاح “كلامي” يُبديه أحمد الشرع الممسك بزمام الأمور بعد سقوط الأسد، تبقى الأفعال وحدها مبعث الاطمئنان.

ويرى كثيرون أنه حتى في حال صدق الرجل ذو التاريخ المعروف في وعوده، فإن من المرجح أن يواجه انشقاقات وغضباً كبيرين من قبل الفصائل المتحالفة (مرحلياً) مع الهيئة، وهي فصائل يعتقد غالبية عناصرها انهم في طريقهم لإعادة الخلافة الإسلامية في العالم، وهكذا كان يتم شحنهم، ومن أجل هذا قاتل أغلبيتهم.. فما سيكون رد فعلهم تجاه تخلي هيئة تحرير الشام عن كل وعودها الخيالية المتطرفة لهم؟.

من المؤكد أنه لا يمكن التكهن أو القطع بمآلات الأمور واتجاهاتها في سوريا ما بعد الأسد وسيطرة الفصائل الإسلامية على دمشق بدعم مباشر من تركيا ودول أخرى، وسط مخاوف أردنية وإقليمية من استبدال خطر التمدد الإيراني بمخاطر الهيمنة التركية على بلد مهم ومحوري في معادلة الواقع والمستقبل العربي مثل سوريا، بالإضافة إلى تخوفات واضحة من مخاطر تدفق المال الخارجي للفصائل المسلحة من جديد إلى الداخل السوري وما يحدث من انفلات وانتشار للسلاح وما يعنيه كل ذلك من تهديدات على أمن المنطقة والأردن.

بالنسبة للأردن، يمثل صعود رؤية متشددة إلى السلطة في سوريا تهديدا مباشرا لأمنه واستقراره، فحدود الأردن مع سوريا، التي تمتد على 375 كيلومترا، تشكل حاجزا حساسا أمام تداعيات الفوضى في الجنوب السوري، المنطقة التي تعاني من انعدام القانون أصبحت مرتعًا لتهريب المخدرات والسلاح، كما قد تعيد الفوضى انتعاش نشاط تنظيم “داعش” ما يُعيد إلى الأذهان ذكريات المرحلة السابقة من صعود التنظيم، وما شكله من تهديد لأمن المنطقة والعالم.

تعكس المخاوف الأردنية أيضا انعكاسات أوسع على الاستقرار الإقليمي، حيث يُنظر إلى سيطرة قوى إسلامية متشددة على سوريا كعامل محفز لإنعاش أحلام الجماعات المتطرفة في المنطقة بأسرها، كما أن هذا السيناريو يعزز احتمال تفاقم الانقسامات الطائفية والعرقية داخل سوريا، مما يُضعف فرص تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الدولة.

على الصعيد الاقتصادي، تأثرت الأردن بشكل كبير “نتيجة الأزمة السورية” من الإغلاق المتكرر للحدود، وخاصة معبر (جابر-نصيب) والذي كبّد الاقتصاد الأردني خسائر تُقدّر بنحو 20 مليار دولار، إلى جانب ذلك، لا تزال التجارة بين البلدين محدودة بفعل ضعف الاقتصاد السوري والعقوبات المفروضة على النظام السابق، ورغم الجهود الأردنية لإعادة تنشيط العلاقات الاقتصادية مع سوريا إلا أن العقبات الأمنية والسياسية كانت مانعًا مباشراً أمامها طوال عقود العقد ونيف الماضي ولا تزال.

ولا ننسى استضافة الأردن أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري يشكلون عبئًا إضافيًا على الأردن الذي يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة، غالبيتهم من حمص وحلب وريف دمشق، يعيق الغموض الأمني المستمر في الجنوب السوري عودتهم رغم التحسن النسبي في بعض المناطق السورية الأخرى.

ووسط هذه التحولات، تتجه الأنظار إلى قدرة الأردن على التكيف مع الواقع الجديد، الذي نجح خلال عقود طويلة في تجاوز الاضطرابات والحروب التي عصفت بالمنطقة، بفضل سياسات متوازنة تقوم على التكيف والمواءمة مع المتغيرات الإقليمية والدولية.

وفي ظل هذه المرحلة الحرجة يبقى الأردن ملتزما بدوره كداعم للاستقرار في المنطقة، مع التأكيد على أهمية بناء رؤية سياسية شاملة في سوريا تعيد التوازن وتحافظ على التنوع العرقي والطائفي، بعيدا عن التطرف.

بلا شك أن مستقبل سوريا بما يحمله من تحديات وفرص يتطلب تعاونا إقليميا ودوليا لضمان تحقيق الاستقرار بالنسبة للأردن، فإن استقراره الوطني وأمنه مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بتطورات المشهد السوري، ويبقى الأمل معقودًا على أن تؤدي الجهود المشتركة إلى بناء سوريا ديمقراطية ومتوازنة تُعيد الأمل لشعبها وتحفظ استقرار المنطقة بأكملها، بعيدا عن التطرف والتسلط والتدخلات والمطامع الخارجية.

اظهر المزيد
الداعمون:
Banner Example

نشامى الاخباري

نشامى الإخباري" هو موقع إخباري أردني متميز يقدّم لكم أحدث الأخبار المحلية الأردنية والعربية، نسعى جاهدين لتقديم محتوى إعلامي مهني وموثوق يساهم في توعية القرّاء وتوفير تحليلات موضوعية وشاملة للقضايا الراهنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *