مقالات

في قلب المعركة الرقمية: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل توازن القوى العالمي؟

نشامى الاخباري _  عروه العظامات

في زمن تتسارع فيه الخطوات نحو مستقبل رقمي غارق في التحولات الجيوسياسية، يبدو أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أصبح ميداناً جديداً لصراع النفوذ والتأثير المالي والثقافي.
ما يجري اليوم هو أعنف أنواع الحروب التي لا تُرى بالعيون المجردة، وإنما تُقيَّم من خلال خوارزميات وسياسات وأصوات إلكترونية تلوح في الفضاء الرقمي.

تشير تقارير حديثة إلى أن التقنيات الذكية ستُحدث تحولاً غير مسبوق في الديناميات الاقتصادية العالمية. فحسب منظمة التجارة العالمية، من المتوقع أن تساهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في رفع حجم التجارة العالمية ما يصل إلى 40% بحلول عام 2040، مع نموّ محتمل للناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 12 إلى 13%. 
لكنَّ هذا التحول لا يخلو من مخاطِر، إذ تحذّر المنظمة من أن الفجوات الاقتصادية قد تتسع إذا لم تصاحب هذا التطور استثمارات وسياسات عادلة ومستدامة. 

من جهة أخرى، تشهد الديمقراطيات في أوروبا تحدياً متزايداً في مواجهة التلاعب الرقمي. فبحسب تقرير صحفي حديث، هناك استخدام متطور للتضليل من خلال شبكات مؤثّرين تستخدم الذكاء الاصطناعي للتأثير على الرأي العام والانتخابات، مستغِلة الخوارزميات والتوصيات على المنصّات الرقمية. 
هذه الظاهرة لم تعد فقط تهديداً لمصداقية التصويت، بل تشكّل تهديداً لجوهر الثقة في مؤسسات الإعلام والدولة، ما قد يُضعف أسس الديمقراطية من داخلها.

الأمر لا يقتصر على التلاعب بالمعلومات فحسب، بل اتسعت رقعة الصراع إلى قلب محركات الذكاء الاصطناعي نفسها.
تقارير أمنية وتقنية تقول إن بعض الدول تستخدم أنظمة آلية لنشر محتوى مضلل متكرر وموجه ليتحوّل إلى جزء من بيانات تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى “سموم معرفية” تلوث الأسواق الرقمية للمعلومات. 
هذه الاستراتيجية تشير بأن من يريد الهيمنة الرقمية لا يكتفي بالسيطرة على وسائل التواصل فحسب، بل يصر على إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي نفسه لصالحه.

في المقابل، عالم المال والسياسة يراقب بقلق.
في منتدى دافوس لهذا العام، برزت المخاوف من أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والتغيّرات في بنى السلطة العالمية قد تُرافقها هجمات رقمية أكثر جرأة وكيفية استخدام قدرات الذكاء الاصطناعي كأداة استراتيجية لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي. 
وفي هذا السياق، يصبح الاقتصاد العالمي “أكثر هشاشة وصراعاً من الداخل والخارج”، حسبما وصفته قيادات في المؤسسات المالية الدولية التي تدعو الآن إلى تعاون دولي متجدد لصد هذه المخاطر.

لكن، ما هي الخلاصة؟ إنها دعوة صريحة للجميع — الحكومات، القطاع الخاص، والمجتمع المدني — للعمل بسرعة لحماية القنوات المفتوحة للمعلومات الحرة والموضوعية، وتطوير أطر تشريعية وتنظيمية تحمي الخصوصية، وتضمن الشفافية في مصادر الذكاء الاصطناعي. فالإهمال اليوم قد يُفسح المجال لهيمنة جديدة لا تُقاس فقط بالدول أو المؤسسات، بل بالخوارزميات التي تملك القدرة على تغييب الحقيقة وإعادة رسم الواقع بذكاء.

من زاوية إعلامية، نحن أمام منعطف تاريخي يفرض علينا التصدي بمهنية ووعي.
إنّ تسليط الضوء على هذه القضايا ليس خياراً إنما واجب: لعلّ الإعلام الرقمي يضطلع بدوره كحارس للحقائق، وكصوت مستقل قادر على فضح ما يُحاك في الظلال الرقمية.

اظهر المزيد
الداعمون:
Banner Example

نشامى الاخباري

نشامى الإخباري" هو موقع إخباري أردني متميز يقدّم لكم أحدث الأخبار المحلية الأردنية والعربية، نسعى جاهدين لتقديم محتوى إعلامي مهني وموثوق يساهم في توعية القرّاء وتوفير تحليلات موضوعية وشاملة للقضايا الراهنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *