نشامى الاخباري _ محمد محيسن
كم نحن يا اعزائي محرومون حتى من الاعتذار الذي يعيد الينا التوازن المفقود، لاننا لسنا هنا ولسنا هناك، واصابعنا قد تكتب وتعزف وتنحت وتشهد لكنها بلا زناد! – اقتباس من مقاله للمرحوم خيري منصور..
فهل ينبغي أن نعتذر لأننا خالفنا تقاليد العرب التي ترى في الانحناء والخنوع أمرًا مرفوضًا، ام ستبقى مجرد متفرجين وتمنح الثناء والتكريم فقط لمن رحلوا عن الدنيا أو ارتقوا شهداء..
ما زال الكثير من المنظرين العرب ممن لم يتعلموا العبرية يعتقدون ان الكيان الصهيوني انتصر في عزة، بل ويكيلون الاتهامات هنا وهناك الى المقاومة ويطالبون بتجريدها من سلاحها واجتثاثها وإطلاق يد المحتل. وكأنهم لم قراؤو سؤال الداخل الإسرائيلي الذي يكشف عمق الفشل
هذا السؤال الذي تصاعد في داخل الكيان المحتل ولم يعد مقتصرا على المحللين أو الصحفيين، بل بات يتردد في الشارع وفي أروقة السياسة الإسرائيلية، حتى داخل أوساط اليمين المتشدد، ومن بينهم شخصيات بارزة في اليمين القذر وما يعرف بـ”الليكود” وحتى المقربين من نتنياهو. “ماذا يفعل الجيش في غزة.
هذا السؤال، رغم بساطته الظاهرية الا انه عميق في دلالاته يكشف عن تصدع حقيقي في ثقة الإسرائيليين انفسهم بمؤسساتهم العسكرية والسياسية، بعد أشهر طويلة من حرب طاحنة على قطاع غزة لم تنجح في تحقيق أهدافها المعلنة، بل زادت من تعقيد المشهد وعمقت أزمة الاحتلال.. ولكن السؤال الأكثر غرابة ان الكثيرين من العرب، يعتقدون عكس ذلك ويبررون خوفهم بالهجوم على الشعب الفلسطيني، بل ويهمون المقاومة وكانها هي من احتلت فلسطين واستباحت المحرمات..
منذ ان بدأ العدوان، راهن الاحتلال والكثير من المتأمرين معه، على أن القوة المفرطة والقصف العشوائي، والتدمير واسع النطاق، وسقوط آلاف الشهداء، وصولاً إلى الحصار والتجويع ومحاولات زرع الفتنة، ستؤدي إلى إنهاك المقاومة وإخضاع الشعب الفلسطيني.
الا ان ما حدث على الأرض كان العكس تمامًا. فقد تحولت غزة إلى فخ استراتيجي يستنزف جيش الاحتلال، ويحول كل خطوة إلى عبء سياسي وأمني، في ظل تصاعد خسائر الجنود وتراجع المعنويات. رغم ان المعركة غبر متكافئة.
الإعلام الإسرائيلي، الذي انشغل قبل شهر من الان بتغطية التوتر مع إيران، غفل عن حقيقة أن غزة أصبحت ساحة إذلال متواصل لجيش طالما روج له باعتباره الأقوى في المنطقة. المقاومة الفلسطينية، رغم الحصار الممتد لأكثر من عشرين شهراً، استمرت في الرد، وأثبتت أن بنيتها العسكرية والسياسية عصية على الانكسار.
المقاومة ليست تابعة.. بل شريكة
اعتقد بعض المحللين الإسرائيليين – بسذاجة سياسية – أن تراجع النفوذ الإيراني أو إنهاء الصراع معها سيُضعف المقاومة في غزة. لكن هذا الرهان تجاهل حقيقة أن المقاومة لا تتغذى فقط من تحالفاتها، بل من عمقها الشعبي ومن عدالة قضيتها.
العلاقة مع إيران ليست علاقة تبعية كما تروج لها إسرائيل بل شراكة استراتيجية تتقاطع في مواجهة الاحتلال، لكنها لا تختزل قدرات المقاومة ولا تحدد إرادتها.
الاحتلال لم يعد قادراً على تقديم إجابة منطقية للداخل الإسرائيلي عن أسباب استمرار هذه الحرب، ولا عن مكاسبها الحقيقية. وهذا ما جعل السؤال: “ماذا يفعل الجيش في غزة؟” يتحول من مجرد نقد إلى صرخة احتجاج تعكس هشاشة البنية السياسية والأمنية في الكيان.
استمرار العمليات العسكرية في غزة لا يقدم حلاً للصراع، بل يفاقم من عزلة الاحتلال ويعمق انقسامه الداخلي.
العدوان المستمر يكشف فشل الخيارات العسكرية، ويؤكد أن الاحتلال ذاته هو جوهر الأزمة، وليس وسيلة الحل. أما المقاومة، فقد أثبتت مجددا أنها ليست مجرد رد فعل مؤقت، بل مشروع تحرر طويل النفس، صلب الإرادة، واسع الأفق.