نشامى الاخباري _ م.محمد عليان
تشكل خدمة العلم في الأردن واحدة من المحطات التاريخية التي ارتبطت بمسيرة بناء الدولة وتعزيز هوية شبابها فهي ليست مجرد التزام عسكري مؤقت وإنما مشروع وطني يعكس رؤية الدولة في الاستثمار بالإنسان الأردني باعتباره الثروة الأغلى والركيزة الأساسية لبناء المستقبل
حيث عرف الأردن نظام خدمة العلم الإلزامية منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي حيث فرضت لفترة زمنية محددة بهدف تعزيز قدرات القوات المسلحة ورفدها بالشباب إلى جانب ترسيخ قيم الانضباط والمسؤولية في جيل كان يشهد تحولات سياسية واجتماعية عميقة وقد شكلت التجربة انذاك مدرسة وطنية حقيقية خرجت أجيالًا تميزت بالالتزام وروح العطاء والتضحية
ومع مرور الزمن شهدت خدمة العلم تحولات عديدة تبعا للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ففي عام 1992 تم إيقاف العمل بنظام الخدمة الإلزامية نتيجة تغير طبيعة التحديات التي يواجهها الأردن إضافة إلى الاعتبارات المرتبطة بسوق العمل والنفقات التشغيلية إلا أن فكرة الخدمة الوطنية لم تغب عن المشهد حيث ظلت مطروحة كخيار استراتيجي لتعود من جديد إلى دائرة النقاش في العقدين الأخيرين وصولًا إلى قرار إعادة تفعيلها بصيغة حديثة تراعي احتياجات الشباب ومتطلبات الدولة المعاصرة
كما تم اعادة خدمة العلم اليوم خلال لقاء سمو ولي العهد الامير الحسين مع مجموعة من شباب محافظة اربد كما اكد ان هاذا ليس مجرد استعادة لتجربة الماضي بل تطوير لها بما يتناسب مع تحديات الحاضر فالأردن يقف في قلب منطقة ملتهبة جيوسياسيًا ما يفرض تعزيز منظومة الأمن الوطني من جهة وترسيخ مفهوم المواطنة الفاعلة من جهة أخرى وفي هذا السياق تصبح خدمة العلم وسيلة مزدوجة و أداة دفاعية وأمنية تسهم في تعزيز قدرات الوطن في مواجهة أي مخاطر محتملة و مدرسة تربوية واجتماعية تزرع قيم الالتزام الانضباط التعاون والعمل بروح الفريق الواحد
كما انه لا يقتصر أثر خدمة العلم على الجانب العسكري أو الأمني فحسب بل يتجاوز ذلك إلى البعد الاقتصادي والاجتماعي فالشاب الأردني الذي يلتحق ببرنامج خدمة العلم يكتسب مهارات عملية وحياتية تعزز فرصه في سوق العمل مثل الانضباط المهني إدارة الوقت العمل بروح الفريق والقدرة على التكيف مع الضغوط كما يمكن للبرنامج أن يدمج تدريبات مهنية وتقنية مرتبطة باحتياجات سوق العمل الأردني ليصبح الشباب أكثر تأهيلا للمساهمة في التنمية الوطنية
كما ان العديد من الدول اعتمدت أو أعادت خدمة العلم كوسيلة لإعداد أجيالها مثل كوريا الجنوبية التي جعلت الخدمة العسكرية إلزامية باعتبارها أداة لتعزيز الانتماء وبناء قوة بشرية قادرة على الدفاع عن الوطن
سويسرا التي ربطت الخدمة العسكرية ببناء هوية المواطن وتعزيز جاهزية الدولة في حالات الطوارئ
الإمارات العربية المتحدة التي أعادت الخدمة الوطنية مؤخرًا واعتبرتها وسيلة لترسيخ قيم الولاء والانضباط وربط الشباب مباشرة بمسؤوليات حماية الوطن
لان هذه التجارب تؤكد أن خدمة العلم لم تعد مقتصرة على الجانب العسكري فحسب بل باتت رافعة اجتماعية واقتصادية وأداة استراتيجية في بناء الإنسان
و إن إعادة تفعيل خدمة العلم في الأردن في هاذا الوقت اكثر من اي وقت مضى يشكل خطوة استراتيجية لإعادة الاعتبار لقيم الالتزام والانتماء والعطاء وبناء جيل واع قادر على مواجهة تحديات المستقبل فالشباب الذين يخوضون هذه التجربة لن يكونوا فقط جنود على خط الدفاع بل مواطنين فاعلين مسلحين بالمعرفة والانضباط وروح المسؤولية
وبذلك تتحول خدمة العلم من واجب إلزامي إلى رسالة انتماء صادقة ومن تجربة وقتية إلى مدرسة وطنية دائمة تعيد صياغة العلاقة بين الفرد والدولة وتجعل من الشباب شركاء حقيقيين في حماية المنجزات وصناعة المستقبل.