نشامى الاخباري _ م. محمد عليان
تعد المخدرات اليوم من أخطر الآفات التي تهدد المجتمعات فهي لا تدمر صحة الأفراد فقط بل تمزق النسيج الاجتماعي وتضعف قدرات الدولة في مواجهة التحديات التنموية والأمنية وحين يكون الشباب – تلك الفئة الأكثر حيوية وإنتاج في قلب هذه المأساة تصبح القضية أشبه بجرس إنذار يطرق أبواب المستقبل
وفي الأردن تبرز هذه الظاهرة بصورة متصاعدة ومقلقة فالأرقام الرسمية تكشف عن تسجيل أكثر من 151 ألف جريمة مخدرات خلال السنوات الخمس الأخيرة أي بمعدل جريمة كل 28 دقيقة فيما تحتل الفئة العمرية ما بين (18 – 28 عام) النسبة الأعلى في حالات التعاطي هذه الأرقام لا تعكس مجرد إحصاءات جامدة بل تعبر عن واقع يهدد ثروة الوطن الأثمن (شبابه)
وهذا لهو أسباب متعددة تقود إلى الإدمان لأن المخدرات لا تغزو عقول الشباب في فراغ بل تجد بيئة خصبة تتشكل من عدة عوامل مترابطة منها اجتماعية مثل البطالة الفراغ وضعف الرقابة الأسرية وتراجع الأدوار ومنها مجتمعية ونفسية واضطرابات القلق والاكتئاب والشعور بالعزلة أو فقدان الأمل بالمستقبل وايضا تأثير رفقاء السوء سهولة الحصول على المواد المخدرة وانتشار ثقافة التجربة بدافع الفضول
وهاذا يزيد خطورة المشهد هو تنوع المواد المخدرة وتطورها فإلى جانب المواد التقليدية كالـحشيش الذي يشكل نحو نصف حالات التعاطي ظهرت مواد صناعية جديدة مثل الجوكر والكريستال والشبوة التي تتسم بتأثير أسرع وأكثر تدمير على العقل والجسد
ورغم كل هاذا لم يقف الأردن مكتوف الأيدي أمام هذه الظاهرة فقد شدد القانون المعدل عام 2021 العقوبات على المروجين والمهربين لتصل إلى الأشغال المؤقتة أو المؤبد كما نص القانون على عقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة تصل إلى ثلاثة آلاف دينار للمتعاطي لأول مرة
ورغم ذلك تظهر الأرقام أن الردع القانوني وحده لا يكفي فالعقوبة قد توقف الجريمة مؤقتًا لكنها لا تعالج جذورها وهنا يبرز البعد الإنساني في التشريع الأردني الذي أتاح للمتعاطي لأول مرة فرصة التقدم للعلاج الطوعي دون تسجيل قيد أمني إدراكا بأن الإدمان مرض يحتاج إلى علاج وتأهيل لا إلى عقوبة فقط وهنا انصح شبابنا بالتوجه إلى هاذا المراكز من أجل أخذ العلاج اللازم
لكن هذا التوجه الإنساني يواجه تحديات حقيقية أهمها محدودية مراكز العلاج المتخصصة وضعف البرامج المجتمعية التي تساعد المتعافي على الاندماج مجددا في الحياة الطبيعية إذ لا يكفي علاج الجسد إن ترك العقل وحيدا بلا دعم ولا يكفي إيقاف الإدمان إن عاد المتعافي ليجد الفراغ والبطالة بانتظاره
وإن السؤال في عنوان المقال المخدرات والشباب… إلى أين؟ لا يمكن الإجابة عنه عبر القوانين وحدها ولا عبر الجهود الأمنية مهما بلغت كفاءتها فالقضية في جوهرها قضية مجتمعية شاملة تبدأ من الأسرة التي ينبغي أن تكون الحاضن الأول للشباب مرورا بالمدرسة والجامعة حيث يصنع وعي الأجيال وصولا إلى الإعلام والمنصات الرقمية التي أصبحت المجال الأوسع لتأثير الأفكار والسلوكيات
و هنا تبرز الحاجة إلى استراتيجية وطنية متكاملة قوامها الوقاية بالتوعية عبر المناهج والبرامج الإعلامية والبدائل الصحية عبر تشجيع الرياضة والأنشطة الثقافية والفنية الدعم النفسي والاجتماعي للمتعاطين والمتعافين التعاون المؤسسي بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لخلق بيئة حاضنة للشباب بعيدا عن المخدرات
كما يقف الأردن اليوم أمام مفترق طرق في معركته مع المخدرات فإما أن يكتفي بتشديد العقوبات وملاحقة الجرائم أو أن يتجه نحو بناء مقاربة أكثر شمولية تعالج جذور المشكلة وتمنح الشباب أسبابا حقيقية للحياة والانتماء
فالشباب ليسوا مجرد أرقام في سجلات القضايا بل هم روح الوطن ومستقبله وكل شاب ينقذه المجتمع من براثن الإدمان هو قصة انتصار صغيرة تضاف إلى سجل الأردن الكبير في حماية إنسانه إن معركة المخدرات ليست معركة أمنية فقط بل هي معركة وجودية على هوية الشباب وعلى مستقبل البلاد بأسره.