نشامى الاخباري _ أ.د.م. يوســــــف الدرادكــــــــــــــــة
في عالم يتسارع نحو المستقبل بوتيرة غير مسبوقة، يظل المهندس هو صانع الغد، ورافد التقدم، والركيزة الأساسية لبناء مجتمع متطور. كما قال عالم الرياضيات ومهندس الفضاء الشهير ثيودور فون كارمان: “الباحثون يدرسون العالم كما هو، والمهندسون فقط هم من يصنعون العالم الذي لم يكن موجودًا قبلهم.” هذه الكلمات ليست شعارًا فحسب، بل حقيقة عملية تظهر الدور الحيوي للهندسة في تحويل الأفكار إلى واقع ملموس، وإعادة تشكيل العالم وفق رؤية الإنسان وإبداعه.
الهندسة هي لغة المستقبل، وأداة الإنسان لابتكار ما لم يكن موجودًا من قبل. من السدود القديمة والجسور الرومانية، إلى المدن الذكية والهواتف المحمولة، أثبت المهندسون أنهم ليسوا مجرد مطورين للتقنية، بل صناع عالم جديد بالكامل. كل فكرة هندسية تتحول إلى مشروع ملموس، وكل تصميم يصبح حجر أساس في بناء مجتمع متقدم ومستدام.
في عصر الذكاء الاصطناعي، يزداد دور المهندس أهمية أكثر من أي وقت مضى. الهاتف المحمول اليوم يمتلك قوة حاسوبية تفوق مراكز الحوسبة الجامعية قبل ثلاثين عامًا، ويتيح لمستخدميه الوصول إلى المعلومات، متابعة البرامج، وإدارة أعمالهم من أي مكان. هذا التحول لم يكن ممكنًا لولا الهندسة الدقيقة في الاتصالات والمعالجات والبنية التحتية الرقمية.
الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا، بل أداة تمكينية. الجامعات والمؤسسات البحثية بدأت بالفعل باستخدام أدوات مثل ChatGPT لتحسين طرق التدريس، تطوير المحتوى، وإطلاق مشاريع بحثية ترسم خارطة المستقبل. هذا يوضح أن المهندس يحوّل المعرفة إلى أدوات عملية تزيد من الإنتاجية، وتعزز الابتكار، وتمكّن الدولة من اتخاذ قرارات استراتيجية صائبة.
الهندسة ليست مجرد تقنية، بل هي ركيزة أساسية في قيادة الدولة وصنع القرارات الكبرى. فالقيادات العليا في الدولة تحتاج إلى مهندسين يمتلكون خبرة في البنية التحتية، الصناعة، الطاقة، والاتصالات، ليتمكنوا من اتخاذ قرارات مدروسة تدعم التنمية الاقتصادية، وتضمن الأمن القومي، وتعزز الاستدامة. الدولة التي تضع المهندسين في مواقع قيادية تضمن أن الابتكار والتخطيط الاستراتيجي يسيران معًا لتحقيق أهدافها الوطنية.
الهندسة تقدم حلولًا للتحديات العالمية الكبرى: تغير المناخ، النمو السكاني، إدارة الموارد، وتأمين الطاقة المستدامة. المدن الذكية، الأقمار الصناعية النانوية، نظم الطاقة المتجددة، كلها مشاريع تظهر قدرة المهندس على بناء مستقبل أفضل، أكثر أمانًا واستدامة، وأكثر قدرة على دعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية للدولة.
على المستوى الاقتصادي، تلعب الهندسة دورًا محوريًا في تعزيز النمو والتنمية. تطوير البنية التحتية، تصميم المنتجات، تحسين وسائل النقل والطاقة، ابتكار السيارات الكهربائية والملابس الذكية، كلها إنجازات هندسية ترفع مستوى الاقتصاد، تخلق فرص عمل جديدة، وتفتح آفاق الابتكار. المهندسون في مواقع قيادية يضمنون أن هذه الابتكارات تُستثمر بأفضل شكل لصالح الدولة والمجتمع.
الهندسة تشمل مجالات متعددة: الهندسة الكهربائية والإلكترونية، الميكانيكية، المدنية والمعمارية، هندسة البرمجيات والذكاء الاصطناعي. كل مجال يضيف بعدًا جديدًا لبناء المستقبل، وكل مشروع هندسي يترك أثرًا ملموسًا في حياة الناس ويعزز قدرة الدولة على قيادة التغيير وتحقيق استراتيجياتها الوطنية.
المهندس ليس مجرد مطور للتقنية، بل هو صانع التغيير ومستشرف المستقبل، وركيزة أساسية في القيادة العليا للدولة. كل ابتكار هندسي، مهما كان صغيرًا، يثبت أن الهندسة هي القوة التي تحول الرؤى إلى واقع، وتعيد تعريف الممكن، وتضمن قدرة الدولة على مواجهة تحديات الغد بثقة وحكمة.
باختصار، المستقبل ينتمي للهندسة، لأنها اللغة التي تصنع العالم، وتضع الإنسان في قلب التقدم. إنها أداة الإبداع، مفتاح الابتكار، وقوة البشرية في مواجهة تحديات الغد. المهندس هو الباني الحقيقي لعالم أكثر إنتاجية، استدامة، وتقدمًا، وهو من يجعل ما يبدو مستحيلاً اليوم حقيقة ملموسة غدًا.
الهندسة ليست مجرد مهنة، بل مشروع حضاري واستراتيجي شامل، يمنح الإنسان والدولة القدرة على بناء مستقبل أفضل، وإعادة صياغة الواقع بيديهما، ليصبح العالم مكانًا أكثر إشراقًا، ابتكارًا، وقدرة على تحقيق طموحات البشرية.