مقالات

ما بعد إلغاء حبس المدين: مرحلة قانونية جديدة أم فوضى تعاقدية؟

نشامى الاخباري _ المحامي المتدرب ليث حسين

انتهى العمل بحبس المدين في معظم الحالات وفقًا لقانون التنفيذ الأردني، إضافة إلى إلغاء الحماية الجزائية للشيكات. هذه التغييرات لا تُعد مجرد تعديلات إجرائية، بل تمثل تحولًا في فلسفة التنفيذ المدني والتعاملات التجارية والمالية في الأردن.
لطالما شكّل حبس المدين وسيلة ضغط دفعت كثيرًا من المماطلين إلى الوفاء بالتزاماتهم. وفي بيئة اقتصادية غير مستقرة تعتمد على الثقة والبيع الآجل، كان الحبس أداة قانونية تمنح الدائن ثقة أكبر في منح الائتمان والتسهيلات. أما اليوم، ومع إلغاء هذا الإجراء، أصبح الدائن أمام طريق شائك لاسترداد حقه، يعتمد على إجراءات مدنية قد تطول وتتعقد، خاصة في ظل غياب نظام فعال يكشف الذمم المالية أو يحجز على ممتلكات المدين بكفاءة.
أما الشيكات، فإن نزع الصفة الجزائية عنها أفقدها قيمتها كأداة ضمان، وأحدث صدمة في السوق. فالتاجر الذي كان يعتمد عليها سيتردد اليوم في قبولها دون وجود ضمانات بديلة، ما يؤدي إلى تراجع البيع الآجل وتوقف التسهيلات وانكماش الحركة الاقتصادية.
من زاويتي كمحامٍ متدرب، أرى أن هذه التعديلات، رغم بعدها الإنساني، أغفلت مبدأ التوازن. فالدائن، الذي لم يعد يملك أدوات فعالة لتحصيل حقه، أصبح ضحية في معادلة غير متوازنة. فالإصلاح لا يكون بإلغاء أدوات التنفيذ دون توفير بدائل، بل ببناء نظام يضمن تنفيذ الأحكام بسرعة وعدالة ويوازن بين حقوق الطرفين.
ما نحتاجه اليوم هو تشريع لا يكتفي بإلغاء الحبس، بل يوفّر أدوات بديلة مثل تطوير نظام الإعسار، وتوسيع سلطة الحجز، وتحفيز الوساطة والتسوية. فالإلغاء دون بدائل لا يعني تقدمًا، بل قد يؤدي إلى فوضى وفقدان الثقة بالسوق.
وفي النهاية، تبقى العدالة غاية القانون، لكنها لا تتحقق ما لم تُحمَ حقوق جميع الأطراف.
والسؤال الآن: هل ألغينا الحبس فقط؟ أم أوجدنا نظامًا يحقق التوازن ويحمي الحقوق؟

اظهر المزيد
الداعمون:
Banner Example

نشامى الاخباري

نشامى الإخباري" هو موقع إخباري أردني متميز يقدّم لكم أحدث الأخبار المحلية الأردنية والعربية، نسعى جاهدين لتقديم محتوى إعلامي مهني وموثوق يساهم في توعية القرّاء وتوفير تحليلات موضوعية وشاملة للقضايا الراهنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *