مقالات

عبندة يكتب: ذكريات عراقية.. الرحلة الى الشمال

نشامى الاخباري _ مدونة ماجد عبندة

اثناء دراستي في العراق كان العراقيون يحتفلون بعيد النوروز والنَّوْرُوزُ أو النَّيْرُوزُ هو عيد رأس السنة الفارسية والسنة الكردية، ويوافق يوم الحادي والعشرين من اذار في التقويم الميلادي. يرجع أصل عيد النوروز إلى تقاليد الديانة الزرادشتية لكن الاحتفال بهذا العيد بقي حتى بعد الفتوحات الإسلامية لبلاد فارس واستمر إلى يومنا هذا .
ذلك اليوم كان عطلة رسمية للجميع وكان يأتي باجمل ايام العام من حيث الحرارة والبرودة لذلك كنت احرص على استغلال ذلك اليوم لابدأ رحلتي السنوية للشمال ، كانت وسائل المواصلات المتوفرة للسفر الى الموصل هي الحافلات والقطار ولانني لم اركب قطارا قط في حياتي كنت افضل السفر بالقطار ، توجهت لمحطة بغداد الرئيسية والتي تنطلق منها القطارات إلى الشمال والجنوب لأخذ تذكرة الركوب ، سألت الموظف عن سعر التذكرة فسألني : طالب؟ قلت : نعم . قال : هات الهوية ، التذكرة للطالب بـ ٦٥٠ فلس عراقي . استغربت السعر لأنني اعلم ان المسافة بين بغداد والموصل اكثر من ٤٠٠ كم .
كانت القطارات في تلك الفترة قديمة وبطيئة فهي تقطع الطريق بحوالي ١٠ ساعات وتقف في الكثير من المحطات ، كان القطار يغادر الساعة الثامنة مساءً ويصل الموصل في السادسة صباحا . لقد كانت رحلات ممتعة لكنها متعبة ومما يزيد التعب ان السفر ليلا يحرمك من رؤية الطريق والتمتع بمناظر الطبيعة .
في احدى رحلاتي لم أجد تذكرة للجلوس في القطار فقال لي الموظف : يمكنك الصعود للقطار والسفر واقفا ، استغربت الأمر لكني قررت المجازفة ، عندما صعدت للعربة وجدتها فارغة فجلست وسار بنا القطار عدة محطات إلى أن وصل احدى المحطات المزدحمة بالجنود فوقف ودخل المئات من الجنود إلى العربة ، حاولت أن ابق جالساً وان لا اعير انتباهي لاحد الا ان جنديا ربت على كتفي وقال لي : “اذا تسمح المقعد مالتي” . نظرت اليه فهالني المنظر لقد كان شابا يمشي على عكازين لكنه كان يبتسم لي . وقفت فورا دون أن اسأله عن تذكرته واتأكد منها فالوضع لا يحتمل .
قضيت تلك الليلة متنقلا بين العربات انظر إلى هؤلاء الجنود الذين يعودون من الجبهة الى بيوتهم ليقضوا اجازتهم ثم يرجعون للقتال ، لقد كانوا متعبين مغبرين لكنهم يبتسمون ويدخنون ويتحدثون بصوت مرتفع عن ذكريات المعركة .
بعد ليلة طويلة نمت بعض وقتها فوق جريدة على أرضية العربة بدأت خيوط الشمس تتراقص و تظهر لي مداخل الموصل لانهي رحلة لم أرغب بتكرارها بعد ذلك .

اظهر المزيد
الداعمون:
Banner Example

نشامى الاخباري

نشامى الإخباري" هو موقع إخباري أردني متميز يقدّم لكم أحدث الأخبار المحلية الأردنية والعربية، نسعى جاهدين لتقديم محتوى إعلامي مهني وموثوق يساهم في توعية القرّاء وتوفير تحليلات موضوعية وشاملة للقضايا الراهنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *