مقالات

محيسن يكتب : الإعلام وشعرة معاوية

نشامى الإخباري – محمد محيسن
فيما مضى، كانت “شعرة معاوية” رمزا للحكمة السياسية والقدرة على التوازن في أحلك الظروف. أما اليوم، فقد جاءنا الإعلام الحديث وبعض المنتفعين والمطلبيين الجدد ليقولوا: ما حاجتنا إلى شعرة؟ فلنحلق الرأس بأكمله وننتهي.
كنا نتابع الأخبار في الماضي لنفهم ما يجري في العالم. أما اليوم، فنحن نتابعها لنفهم ما الذي يريد المسيطرون أن نفهمه. لم يعد الإعلام يكتفي بإخبارك بما حدث، بل بات يخبرك كيف تشعر، ومن عليك ان تكره، ومن تصفق له، حتى لو لم ينجز شيئا يذكر.
لقد تحول الاعلام والسوشال ميديا إلى ماكينة لتشكيل الرأي العام، تبث الخوف وكأنه وجهة نظر، وتصنع الحقائق المزيفة كما تصنع العروض السينمائية، مع مؤثرات صوتية ومشاهد درامية.
ومن بين أدوات هذا الإعلام، برزت فئة من “المبطلين” كتاب وهم– نماذج مكررة، تتوسط بين الإعلام وإعدام الوعي. أرهقونا بنقد سلاح المقاومة، واصفين إياه بالعبثي تارة، وبأنه مصدر المصائب تارة آخري. لكنهم تناسوا مليارات الدولارات التي أُهدرت على أسلحة صدئة متعفنة لم توجه يوما إلى العدو، بل توجهت إلى صدور الشعوب، بينما العدو لا يزال رابضا خلف الأبواب، ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.
هؤلاء يذكرونني بتلك المذيعة التي أشهرَت مسدسا على الهواء، ظنا منها أنها ترهب خصومها، بينما الحقيقة أن ما وجهته كان إلى وجوه المشاهدين جميعًا. لم تكن النهاية سعيدة على الإطلاق، بل كانت فصلاً جديدا في دراما عبثية لم تنتهي.
وذا كان الإعلام يعرف قديمًا بـ”السلطة الرابعة”، أما اليوم، فقد تمدد ليصبح السلطة الأولى والثانية والثالثة… والسابعة إذا اقتضى الأمر. لم يعد ينقل الخبر، بل يصنعه ويطبخه على نار الفضائيات، ويقدمه للمشاهدين متبلا بالإثارة، ومغطىً بطبقة سميكة من التهويل. إنه مخدر جديد، يطبق على العقول كما يطبق الأفيون على الوعي.
أما “الحياد الإعلامي”، فهو اليوم كائن خيالي، لا يختلف كثيرا عن الغول والعنقاء والخل الوفي. فالإعلامي المعاصر صار بهلوانا يمشي على حبل مشدود، يوازن بين رغبات الرعاة وأوامر الممولين. وفي هذا السيرك، تتلوى الحقيقة – لا ندري، من شدة الضحك أم من شدة الألم.
أحد المشاهد التي ذكرها الكاتب خيري منصور تجعلك تشفق على الجماهير، وهي عينة باتت تمثل واقع الإعلام اليوم. وقد تسأل: أين وعي الجماهير؟ والإجابة المؤسفة: لقد أُعدم وعيها في بث مباشر، مع موسيقى حزينة، وخوف متأصل وإعلانات قبل وبعد الحدث.
فهل ما زالت هناك “شعرة معاوية” في الإعلام؟ ربما… لكنها اليوم تباع ضمن باقة مدفوعة، مع اشتراك سنوي، وبعض الإعلانات الرديئة وكاتب منتفخ الاوداج.

اظهر المزيد
الداعمون:
Banner Example

نشامى الإخباري 2

نشامى الإخباري" هو موقع إخباري أردني متميز يقدّم لكم أحدث الأخبار المحلية الأردنية والعربية، نسعى جاهدين لتقديم محتوى إعلامي مهني وموثوق يساهم في توعية القرّاء وتوفير تحليلات موضوعية وشاملة للقضايا الراهنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *