مقالات

سواغنة تكتب: وسائل التواصل… جريمة العصر بين الاستغلال والابتزاز

نشامى الاخباري _ إسراء سواغنة

في ظل الانفتاح التكنولوجي الكبير، نشهد انتشار واحدة من أخطر الجرائم التي أصبحت تُعرف بـ”جريمة العصر”… إنها جريمة الابتزاز الإلكتروني، وبشكل خاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

أنا اليوم لا أكتب قصة عابرة، بل أقدّم نداءً مجتمعيًا صريحًا، لأننا أمام قضية أصبحت تؤرق المجتمع، وتطال فتياتنا وبناتنا القاصرات، وتستدعي أن نتحرك، نوعي، ونتحدث بلا خوف.

في مكاتب المحاماة، لم تعد قضايا الابتزاز الإلكتروني حالات فردية. بل أصبحت واقعًا مؤلمًا يتكرّر يوميًا، وغالبًا ما تكون الضحايا فتيات وثقن بشخص خاطئ عبر منصات مثل “سناب شات”، “إنستغرام”، “واتساب”، أو حتى “تيك توك” و”فيسبوك”، فكان الثمن نفسيًا ومعنويًا، وربما قانونيًا في بعض الأحيان.

وقد يظن البعض أن تطبيق “سناب شات” هو مجرد وسيلة للتسلية أو التواصل المؤقت، لكنه في الحقيقة يُعد من أكثر التطبيقات التي تُستغل في جرائم الابتزاز، تحديدًا بسبب طبيعته المبنية على السرية، واختفاء الرسائل، وصعوبة توثيق المحادثات.
هذه الخصائص، التي قد تبدو ممتعة ومثيرة للبعض، أصبحت سلاحًا خطيرًا في يد منعدمي الأخلاق، تُستعمل لتمرير رسائل خادشة، أو صور غير أخلاقية، أو تهديدات غير مباشرة، دون أن تترك خلفها أثرًا.

الخطورة في “سناب شات” لا تتعلق فقط بالمستخدم، بل في البنية التقنية التي تمنح الجاني شعورًا زائفًا بالحماية والاختفاء.
يظنون أن الرسائل المؤقتة ستحميهم… لكنها لا تحميهم من القانون.
فالعدالة لا تعتمد على حفظ الرسائل، بل على الأدلة الرقمية، والتتبع التقني، والتحقيقات الإلكترونية الدقيقة، التي باتت تفضحهم مهما حاولوا التخفي.

والمؤلم أن كثيرًا من الجناة لا يخفون هوياتهم، بل يدخلون بحساباتهم الحقيقية، وبأسمائهم وصورهم، في سلوك يعكس استهتارًا تامًا بالقانون والمجتمع.
من يبتز فتاة، أو يستغل براءتها، أو يتلاعب بها بحجّة الحب، أو يوهمها بالعاطفة ليستغل ضعفها – ليس رجلًا، بل شخص عديم الأخلاق، لا قيمة له في هذا المجتمع، ولا يملك من الرجولة أو الكرامة شيئًا.

وننبه هنا إلى نقطة شديدة الأهمية:
الابتزاز لا يكون فقط بطلب المال أو التهديد بالنشر.
حتى التهديد المبطّن، أو التلاعب النفسي الذي يُفقد الفتاة استقرارها، أو يضعها تحت ضغط مستمر، هو جريمة.
وإرسال صور غير أخلاقية أو خارجة عن الذوق العام لفتيات دون رغبتهن، هو فعل مجرَّم بحد ذاته، حتى لو لم يتبعه تهديد صريح.
كل ما من شأنه أن يُهين الكرامة أو يُشوّه السلامة النفسية، يدخل ضمن الأفعال التي يُعاقب عليها القانون.

قانون الجرائم الإلكترونية الأردني لا يتهاون:
كل من يستخدم وسيلة إلكترونية للإساءة، أو التهديد، أو الابتزاز، أو إرسال محتوى غير لائق يجرّح بالكرامة، يُعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وبغرامة مالية تصل إلى عشرة آلاف دينار أردني. وتتضاعف العقوبة إذا كانت الضحية قاصرًا، أو إذا انطوى الفعل على مساس مباشر بخصوصية الإنسان وكرامته.

هؤلاء الذين يحاولون العبث من خلف الشاشة، هم مكشوفون، وسهل تتبعهم من قبل وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية، خصوصًا إذا استعملوا أرقامهم الحقيقية أو حساباتهم الشخصية.

نصيحة للأهل:
امنحوا أبناءكم الوعي، وبناتكم الثقة، قبل أن تمنحوهم الأجهزة.
كونوا قريبين لا متسلّطين، واضحين لا غامضين.
علموهم كيف يحمون أنفسهم لا كيف يختبئون.
الوعي درع، والحوار أمان، والثقة أساس الحماية.

ولكل فتاة نقول:
لا توثقي بمن لا ضمير له، ولا تسكتي عن الغلط مهما كان.
قولي “لا” بقوة… لا للتهديد، لا للتنازل، لا للكتمان.
كوني مثقفة بالسوشال ميديا، واعية لمخاطره، قوية في قراراتك، وذكية في تعاملك مع أي موقف.
أنتِ لستِ ضعيفة، ولا مذنبة، ولا وحدك.
كوني قوية… القانون معك.
أنتِ أكثر من أن تُستغل أو تُهان. لديكِ الحق أن تُحترمي وتعيشي بأمان، لا تسمحي لأحد أن يُثنيكِ عن ذلك.

وفي حال مررتِ بتجربة مشابهة:
لا تترددي… أبلغي فورًا، لا تسكتي، لا تخافي.
احذفي الشخص، واحمي نفسك، وخذي النصيحة من أشخاص أكبر منك وأكثر وعيًا وخبرة، حتى لا تكوني ضحية لشخص لا يستحق حتى أن يُذكر اسمه.
سلامتك النفسية فوق كل شيء… واحترامك لنفسك هو السلاح الأقوى.

لا تتركي أحدًا يسلبك قوتك، ولا تساومي على كرامتك.
أن تكوني نفسك هو أعظم انتصار، والثقة بالنفس هي السلاح الأقوى.
تمسّكي بمبادئك، وامضي قدمًا، لا تخافي ولا تسكتي، فالحق معك، والقانون هو درعك، والحق هو طريقك.

اظهر المزيد
الداعمون:
Banner Example

نشامى الاخباري

نشامى الإخباري" هو موقع إخباري أردني متميز يقدّم لكم أحدث الأخبار المحلية الأردنية والعربية، نسعى جاهدين لتقديم محتوى إعلامي مهني وموثوق يساهم في توعية القرّاء وتوفير تحليلات موضوعية وشاملة للقضايا الراهنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *